في هذا المقطع الصوتي يطلب الجنود الأمريكيون على ظهر الأباتشي تصريحا
بإطلاق النار ويحصلون عليه، بعد أن يصفوا الهدف بأنه يتكون من عشرين شخصا،
وأن خمسة أو ستة منهم مسلحون برشاشات روسية وأن بحوزتهم قاذفة صواريخ. لكن
الحقيقة هي أنهم مواطنون عراقيون بينهم طفلان وصحفيان عراقيان يعملان
لصالح وكالة روترز.
الفيديو الذي تم تصويره من داخل الهيلكوبتر يصور عملية إطلاق النار
والتعليقات التي كان الجنود الأمريكيون يتبادلونها أثناء ذلك، حيث كانوا
يضحكون ويمتدحون بعضهم البعض بسبب دقتهم في إصابة الهدف، وعندما يصاب
الطفلان فإن أحد الجنود يقول: " ألا تعرفون أنه لم يكن عليكم جلب الأطفال
إلى المعركة".
بعد انتهاء عملية إطلاق النار تناول الجنود الأمريكيون العملية بالتحليل،
لكنهم لم يخلصوا إلى وجود ما هو غير مألوف. فقد كانوا بالفعل يعتقدون أنهم
يتعاملون هنا مع مجموعة من المتمردين وبالتالي فإن الأمر لم يكن به ما
يثير استغراب قادة الجيش.
في النهاية تمكن أحدهم من نشر الصور والتسجيلات الصوتية والتعليقات بين
الجنود على موقع ويكيليكس. وقد تطلب إعداد هذه المواد لنشرها الكثير من
كبح المشاعر وكان عملا شاقا، كما يقول الناشط على الانترنت روب غونغرايب
الذي يعمل مع ويكيليكس. ويضيف أنه شاهد تسجيل الفيديو المشوش آلاف المرات،
لكن وجوه الأشخاص لم تتضح لديه إلا بعد أن رأى الصور المتعلقة بالناجين."
عندما وصلتنا الصور التي التقطها الصحفيون الايسلنديون ورأينا وجوه
الأطفال وجراحهم وآثار الدماء عليهم ، عندها فقط شعرنا بأن ما حدث حقيقي،
وقد حاولت إلى حد هذه اللحظة النظر إلى الموضوع بحياد، وهو أمر صعب جدا مع
هذه الصور، إلا أن شيئا بداخلي انكسر عند رؤية الصور الملونة، لقد شعرت
بالصدمة".
نشر الفيلم الذي هو نتاج تعاون بين موقع ويكيليكس والتلفزيون الوطني بايسلندا، كان نتيجة عمل طويل جدا كما يقول غونغرايب.
تم التدقيق في الصور واحدة فواحدة للتأكد من صحتها، وقد تم استحداث موقع حول نشر الفيلم وهو موقع:
www.collateralmurder.org ،
كما أن الفريق العامل في ويكيليكس أرسل مجموعة من الصحفيين الأيسلنديين
إلى بغداد للقاء عائلات الناجين والحديث إلى أقرباء وعائلات الضحايا.
التسجيلات والصور المعروضة أحدثت صدمة وهزت كل العالم، و قد أكد أحد
جنرالات الجيش الأمريكي أن صور الفيديو حقيقية، ويعتقد الجيش الأمريكي أن
الجنود ظنوا أن عدسة آلة التصوير التي يحملها المصور هي قاذفة صواريخ
ولهذا السبب أطلقوا النيران.
إلا أن هذا لا يفسر استمرارهم في إطلاق النار بعد أن حاولت فرق المساعدات
الإنسانية إسعاف صحفي ونقله إلى مكان آمن. ويرى غونغرايب أن القصص الرسمية
التي رويت عن الحرب في العراق مشكوك في الكثير منها.
" يجب أن نتساءل حول صحة الروايات، يجب أن نبدأ في التساؤل حول الرواية
المظللة لهذه الحرب ورؤية الحقائق حول ما يسمى ب " الدعم الجوي القريب".
فطائرات الأباتشي كانت تعمد إلى تخمين الهدف من مسافة 400 متر في الجو في
حرب قذرة لمقاومة المتمردين في المدن".
يقول غونغرايب إن أكثر ما صدمه هو التسمية المحايدة للضحايا، فقد كان
الجيش الأمريكي يستعمل عبارات مثل المتمردين والضحايا من المواطنين ولم
تكن التسمية الأخيرة تخلو من حد أدنى من الدعاية، إلا في حالة واحدة وهي
عندما يتعلق الأمر بضحايا من الأطفال.
في رأي الجيش فإن عملية إطلاق النار من الهيلكوبتر أدى إلى مقتل متمردين
وأطفال. وبعد نشر الفيديو من قبل ويكيليكس فان هذه النسخة ألقيت إلى الأبد
في سلة المهملات.
وأذاعت قناة الجزيرة الفضائية الشريط الذي يظهر مقتل 12 شخصا بينهم
الصحفيان نمير نور الدين وسعيد شماغ وإصابة طفلين بنيران مروحية أباتشي
كانت توفر الدعم الجوي لقوات أمريكية أثناء قيامها بعملية عسكرية في حي
بغداد الجديدة.
وأكد رئيس تحرير موقع (ويكيليكس) الإلكتروني جوليان أوجونز الذي بث الشريط
للجزيرة صدقية الشريط، مشيرا إلى أن الموقع أمضى ثلاثة أشهر في فك الشيفرة
المتعلقة بمواد ومحتويات هذا الشريط.
وقال المتحدث باسم القيادة الوسطى الأمريكية للجزيرة إن قيادته تنظر في
محتوى الشريط للحصول على معلومات إضافية، مشيرا إلى أن لا علم لها بمحتوى
الشريط، في حين لم يصدر أي تعليق رسمي عن وزارة الدفاع الأمريكية.
ويقول مراسل بي بي سي في واشنطن آدام بروكس ان الشريط مصور بتقنية عالية وهو واضح جدا ويبدو انه حقيقي.
اما الصوت الذي يرافق الشريط المصور فهو بشكل اساسي ينقل الحديث الذي كان
جاريا بين طاقم المروحية الامريكية والجيش الامريكي على الارض.
و صدقية الشريط أكدتها التحقيقات التي قام بها مكتب وكالة رويترز للانباء،
وتقارير الشرطة العراقية وتقرير ديفيد سيكل مراسل صحيفة الواشنطن بوست الامريكية في العراق الذي كان يرافق الجيش الأمريكي".
واشار اوجونز في حديثة الى أن "الأطفال العراقيين الجرحى الذين أصابتهم
المروحية الأمريكية لم يتم تعويضهم حتى الآن إضافة إلى عدم تعويض أهالي
القتلى
وهم من المدنيين العراقيين الذين حاولوا إسعاف أحد الصحفيين ويمكن لأي جهة
قانونية أو حقوقية الاستناد إلى الشريط لرفع دعاوى تعويض ضد القوات
الأمريكية".
كما كشف رئيس التحرير ان "لدى الموقع مصادر داخل المؤسسة العسكرية
الأمريكية وجهات حكومية أخرى تبدي استياءها الدائم من سير العمليات في
العراق وأفغانستان فقامت بتزويد الموقع بالشريط إضافة الى مواد أخرى"
وقالت الجماعة النائرة للفيديو في مؤتمر صحفي في واشنطن انها حصلت في 12
من يوليو 2007 على تسجيل الفيديو الذي يصور هجوم طائرات الأباتشي وانها
استطاعت مشاهدته والتحري عنه بعد فك كود التشفير.
وأكد مسؤول عسكري أمريكي طلب ألا ينشر اسمه ان التسجيل المصور والمسموع صحيح.
وقال الميجر شون تيرنر المتحدث باسم القيادة المركزية الأمريكية إن تحقيقا
أجري بعد الحادث بوقت قصير ووجد أن القوات الامريكية لم تكن على علم بوجود
صحفيين وانها ظنت انها كانت تقاتل متمردين مسلحين.
وأضاف تيرنر: نأسف لضياع أرواح أبرياء لكن هذا الحادث جرى تحقيق بشأنه على
وجه السرعة ولم تكن هناك قط أي محاولة للتستر على أي جانب من جوانب هذا
الاشتباك.
وحوى فيديو طائرات الهليكوبتر الحربية تسجيلا لمكالمات بين الطيارين وهو
يعرض مشهدا مصورا من الجو لمجموعة من الرجال يتحركون في أنحاء ميدان في
أحد أحياء بغداد. ووصف الطيارون بعض الرجال بانهم مسلحون.
واوضحت الجماعة انه كان بين هؤلاء الرجال في الميدان مصور رويترز نمير نور
الدين (22 عاما) ومساعده وسائقه سعيد جماغ (40 عاما) اللذان قتلا في
الحادث.
وأشار جوليان أسانجي المتحدث باسم ويكيليكس في نادي الصحافة القومي إلى أن
المجموعة التي كانت في الركن والتي اطلق النار عليها كانت تضم نحو تسعة
أشخاص.
وتتبعت الطائرات اثنين من الرجال قالت ويكيليكس انهما نور الدين وجماغ بعد ان وصف الطيارون كاميراتهم بأنها أسلحة.
وذكر المتحدث العسكري تيرنر انه خلال الاشتباك أخطأت طائرة الهليكوبتر تحديد كاميرا على أنها قاذف صواريخ.
وفتحت طائرات الهليكوبتر بادئ الأمر النار على المجموعة الصغيرة فقتلت
بعضهم وأصابات آخرين بجراح. وبعد ذلك بدقائق أتت شاحنة صغيرة وبدأت مساعدة
الجرحى وفتحت الهليكوتبر النار على الشاحنة إذ ظن الطيارون أن المركبة
تحمل متشددين يحاولون أخذ الأسلحة ومساعدة رفاقهم الجرحى على الهرب.
وطلبت طائرات الهليكوبتر إذنا لمهاجمة المركبة وانتظرت بفارغ الصبر. وقال
صوت: هيا دعونا نطلق النار. وتلقى الطيارون إذنا بالاشتباك مع المركبة
وفتحوا النيران فقتلوا فيما يبدو عدة أشخاص في المركبة وحولها.
وجرح طفلان في المركبة ونقلتهما قوات برية أمريكية وصلت إلى مسرح الحادث في حين واصلت طائرات الهليكوبتر التحليق فوق الرؤوس.
وقال أحد الطيارين لا بأس انه خطأهم ان يحضروا أطفالا في المعركة.
وقال ديفيد شليزنجر رئيس تحرير رويترز عن تسجيل الفيديو الذي نشرته
ويكيليكس ان مقتل نور الدين وجماغ كان أمرا مفجعا ورمزا للمخاطر البالغة
التي يكتنفها تغطية أخبار مناطق الحرب.
وأضاف قوله إن الفيديو الذي نشرته ويكيليكس لهو دليل واضح وجلي على
المخاطر التي ينطوي عليها الاعلام الحربي وما قد ينشأ من الكوارث. وكانت
رويترز حثت الجيش الامريكي على اجراء تحقيق كامل وموضوعي في قتل المصور
ومساعده.
وللإشارة ،فموقع ويكيليكس تم إحداثه خصيصا لنشر المعلومات السرية إلى
العلن بشكل آمن، دون تعريض الجهة المسئولة إلى الخطر. بهذه الطريقة يمكن
للأشخاص الذين يرغبون في الإدلاء بمعلومات تخص الشركات أو الحكومات فعل
ذلك دون التنقل بأنفسهم إلى وسائل الإعلام. بل عبر استعمال موقع ويكيليكس
كوسيلة تعرية من دون التعرف على هوية الشخص الذي يقف وراء الخبر. ويعمد
ويكيليكس الى التأكد من صحة الأخبار ومن يقف خلفها، كما أن المنظمة تضمن
توفر المادة المعروضة و الحفاظ عليها، وإذا ما تم حجب أحد المواقع فإن
موقعا آخر يتولى نشرها.
وموسوعة ويكيليكس:
www.wikileaks.org
عبارة عن نسخة غير خاضعة للرقابة من الموسوعة ويكيبيديا ، وهي تكشف عن
الوثائق والمستندات الحكومية السرية ، التي يتم تسريبها أو سرقتها من
المؤسسات والحكومات من مختلف أنحاء العالم ، وخاصة الولايات المتحدة
الأميركية ،التي يجب على الرأي العام الإطلاع على هذه المعلومات وفقا
لمبدأ الشفافية ولأن التسريب فضح أمورا كثيرة في الماضي فغيّر تاريخ بعض
الدول الى الأفضل ، وأفضل مثال على ذلك وثائق حول حرب فيتنام.
وشعار هذه الموسوعة هو “ تشجيع العاملين في الحكومات في أنحاء العالم على
إستخدام الموقع كستار لتسريب أدلة عن الفساد والظلم” ، مشيرا الى أنه سوف
يعمل قبل نشرها الى التحقق منها بحيث يمكن لأي أحد التعليق على أهمية
المعلومات التي يقدمها الكاشفون عن الأسرار والحكم على مدى مصداقيتها.
وعلى الرغم من أن الموقع يؤكد أن مؤسسيه هم من المنشقين الصينيين وبعض
علماء الرياضيات والتكنولوجيا من الولايات المتحدة الاميركية ، أوروبا ،
استراليا ، تايوان وجنوب افريقيا ، الا أن بعض المحللين يرون أن
الاستخبارات الاميركية هي التي تقف خلفه ، لما يحمله الموقع لغاية الآن من
مواضيع عن الساحة الأميركية ، والتي تشكل نسبة 80% من المواضيع بشكل عام.
ويقول أحد الأعضاء الإستشاريين في مجلس ويكيليكس “نريد أن نبث الشجاعة في
نفوس الكاشفين عن الأسرار” . ويضيف أيضا أن الموسوعة تلقت 1.2 مليون وثيقة
مسربة منفصلة لغاية الآن!
وإذا ما انطلق هذا الموقع فلن تكون المرة الأولى التي يستخدم فيها مسؤولون
الانترنت لجذب الانتباه لتجاوزات الحكومات. ففي الشهر الماضي عرض المسؤول
الكيني السابق عن مكافحة الفساد جون جيتونجو شريطا صوتيا على الانترنت قال
إنه يظهر وزراء وهم يضغطون عليه للتخلي عن تحقيق كان يجريه.
وقال جاي دين مدير مجموعة (الشأن العام في العمل) الاستشارية للكشف عن
الأسرار في بريطانيا “إن الامر مشكلة لأنه سيكون الستار المفضل لأي شخص
دنيء”.