اللغــة
"البيئة" لفظة شاع استخدامها في السنوات الأخيرة، ورغم ذلك ما يزال المفهوم الدقيق لها غامضًا عند الكثيرين، لا سيما وأنه ليس هناك تعريف واحد محدَّد يبيِّن ماهية البيئة ويحدِّد مجالاتها المتعددة. يعود الأصل اللغوي لكلمة البيئة في اللغة العربية إلى الجذر (بوأ) الذي أُخِذ منه الفعل الماضي (باء). قال ابن منظور في معجمه الشهير "لسان العرب": باء إلى الشيء أي رجع إليه. وذكر المعجم نفسه معنيين قريبين من بعضهما البعض لكلمة (تبوأ)؛ الأول: إصلاح المكان وتهيئته للمبيت فيه. والثاني: بمعنى النزول والإقامة.
بناءً على ذلك يتضح أن البيئة هي: "النزول والحلول في المكان"، ويمكن أن تطلق مجازًا على المكان الذي يتَّخذه الإنسان مستقرًا لحلوله ولنزوله، وقد استخدم علماء المسلمين كلمة "البيئة" استخدامًا اصطلاحيًا منذ القرن الثالث الهجري، للإشارة إلى الوسط الطبيعي: الجغرافي والمكاني والإحيائي الذي يعيش فيه الكائن الحي بما في ذلك الإنسان، وللإشارة إلى المناخ الاجتماعي: السياسي والأخلاقي والفكري المحيط بالإنسان. وقد يراد بالبيئة مجازًا: أولئك البشر الذين يسكنون فيها أو يقيمون، أو كافة المخلوقات والموجودات التي تحل مع الإنسان، وتستوطن مواضع عيشه، مثل: الحيوانات والنباتات والأشجار.
أما البيئة في المعاجم الإنجليزية فلها مصطلحان متداخلان: "Environment": وهو يعني: مجموعة الظروف أو المؤثرات الخارجية التي لها تأثير في حياة الكائنات (بما فيها الإنسان). ومصطلح "Ecology" (الإيكولوجيا)، ويُعرِّف علم البيئة الحديث البيئة بأنها: "الوسط أو المجال المكاني الذي يعيش فيه الإنسان، بما يضم من ظاهرات طبيعية وبشرية يتأثر بها ويؤثر فيها". وقد أوجز إعلان مؤتمر البيئة البشرية الذي عقد في استوكهولم عام 1972م مفهوم البيئة بأنها: "كل شيء يحيط بالإنسان".
المصطلح:
درج استخدام لفظ البيئة في العديد من الاستخدامات:
البيئة الاجتماعية: تعبِّر عن الوسط الذي ينشأ فيه الفرد، ويحدد شخصيته وسلوكياته واتجاهاته والقيم التي يؤمن بها.
البيئة الثقافية : وهي تشمل: المعرفة والعقائد والفن والقانون والأخلاق والعرف وكل العادات التي يكتسبها الإنسان من حيث هو عضو في مجتمع. وتتأثر الثقافة بعوامل البيئة الطبيعية، وكذلك بما ينتجه العقل البشري عن طريق منجزات العلم والتكنولوجيا.
البيئة المناخية : يقصد بها ظروف الطقس والمناخ التي يتأثَّر بها الإنسان وتتأثر بها الكائنات الحية الأخرى التي تشاركه الحياة على كوكب الأرض.
البيئة الطبيعية : تختص البيئة الطبيعية بدراسة الحياة البرية والبحرية، والكائنات من الحيوانات والطيور؛ أي الطبيعة حول الإنسان من حياة والكائنات التي تعيش فيها.
البيئة البشرية : عُرِّفَت البيئة في مؤتمر الأمم المتحدة للبيئة البشرية الذي انعقد في استوكهولم عام 1972م بأنها: "رصيد الموارد المادية والاجتماعية المتاحة في وقت ما وفي مكان ما لإشباع حاجات الإنسان وتطلعاته".
البيئة الوراثية: تشمل ما يوفره الزوجان من خلايا وراثية للأبناء. الخلايا الوراثية هي: عبارة عن تجمعات المواد الكيميائية التي تحتوي على شفرة الصفات الوراثية التي تقرر هذه الصفات. فالمولود يخرج من رحم أمه وهو يحمل في ثناياه شفرة وراثية مطبوعة على كل خلية من خلايا جسمه؛ وتحدد صفات لون العيون ولون الجلد والطول، كما يمكن أن يرث أيضًا عيوبًا وراثية.
هذا ويُفرِّق الباحثون بين مفهوم البيئة ومفهوم النظام البيئي، فالنظام البيئي هو وحدة بيئية متكاملة؛ تتكون من كائنات حية ومكونات غير حية في مكان معين؛ يتفاعل بعضها ببعض وفق نظام دقيق ومتوازن في حركة دائبة لتستمر في أداء دورها في إعالة الحياة، ولذلك يطلق على النظام البيئي من هذا المنطلق: نظام إعالة الحياة.
وتعد مظاهر هذا الخلل من أهم القضايا التي تناقشها أدبيات البيئة في الوقت الراهن. على سبيل المثال: قضايا التلوث البيئي- الماء والهواء والتربة- والتلوث الصوتي- الضوضاء- وأخطار انقراض بعض الكائنات الحية، كما تُطرح بشدة قضية ثقب الأوزون إشارة إلى تأثيرها في تغير المناخ.
مدرسة أنصار البيئة:
وقد برز مفهوم البيئة "Environmentalism" ومدرسة الدفاع عنها في الفكر الوضعي خلال عقد الخمسينيات لتدور رؤيتها حول الحاجة إلى فهم الطبيعة وإفرادها بالدراسة والرعاية، والحاجة لفهم الحياة الإنسانية ومسارها من خلال الحياة الطبيعية. وتغطي أفكار هذه المدرسة مساحة واسعة من المعتقدات -العلمية والسياسية والدينية والاقتصادية- إلى جانب تقديم مجموعة من الأولويات السياسية والاقتصادية والبرامج لحماية البيئة والدفاع عنها. دافعت عنها حركات الخضر Greens وضغطت لتطبيقها في مجالي القانون الداخلي والقانون الدولي، خاصة بعد دخول معظم هذه الحركات في الغرب للمجالس النيابية بنسب تمثيل متفاوتة.
وقد قدم تيار الدفاع عن البيئة رؤيته من خلال عدة محاور نظرية:
أولاً: الدفاع عن البيئة وحمايتها من التلوث والأمطار الحمضية والإشعاعات النووية والمخلفات بأنواعها؛ خاصة المشعة والنووية (دفن النفايات في العالم الثالث مثلاً)، وأكد أن دراسة البيئة والحفاظ عليها هو مناط حفظ الحياة الإنسانية في الحاضر والمستقبل.
ثانياً: النظرة الكلية للكون، فتذهب هذه المدرسة إلى أن العالم الطبيعي لا بد من فهمه كوحدة واحدة وألا يتم التعامل مع أجزائه ومفرداته كل على حدة، بل ويلقي اللوم على المدارس العلمية والطب لتعامله مع المشكلات منفردة، إذ شهدت جراحات نقل الأعضاء والقلب والمخ والأعصاب طفرة في مقابل الإهمال الذي يلاقيه ضبط نظام الجسم ووقف الملوثات وخاصة التدخين، واتباع نظام غذائي صحي من جانب صناعة الطب.
ثالثاً: استدامة التنمية ورعايتها للبيئة: حيث حذرت هذه المدرسة من الاستهلاك المتزايد غير المحسوب للموارد الطبيعية والمادية، وحثت على التعامل الرشيد والاستهلاك المتوازن وإعادة استخدام المواد (التدوير Recycling) وأن تكون المشروعات الصناعية وبرامج التنمية مبنية على هذا الأساس.
رابعاً: الدفاع عن القيم: حيث ركزت على القيم التي يعتنقها الأفراد في تعاملهم مع البيئة من حرص على الأجيال القادمة، والمسئولية الاجتماعية، وحقوق الحيوان، والسلام دفعاً لخطر الدمار النووي الشامل
"البيئة" لفظة شاع استخدامها في السنوات الأخيرة، ورغم ذلك ما يزال المفهوم الدقيق لها غامضًا عند الكثيرين، لا سيما وأنه ليس هناك تعريف واحد محدَّد يبيِّن ماهية البيئة ويحدِّد مجالاتها المتعددة. يعود الأصل اللغوي لكلمة البيئة في اللغة العربية إلى الجذر (بوأ) الذي أُخِذ منه الفعل الماضي (باء). قال ابن منظور في معجمه الشهير "لسان العرب": باء إلى الشيء أي رجع إليه. وذكر المعجم نفسه معنيين قريبين من بعضهما البعض لكلمة (تبوأ)؛ الأول: إصلاح المكان وتهيئته للمبيت فيه. والثاني: بمعنى النزول والإقامة.
بناءً على ذلك يتضح أن البيئة هي: "النزول والحلول في المكان"، ويمكن أن تطلق مجازًا على المكان الذي يتَّخذه الإنسان مستقرًا لحلوله ولنزوله، وقد استخدم علماء المسلمين كلمة "البيئة" استخدامًا اصطلاحيًا منذ القرن الثالث الهجري، للإشارة إلى الوسط الطبيعي: الجغرافي والمكاني والإحيائي الذي يعيش فيه الكائن الحي بما في ذلك الإنسان، وللإشارة إلى المناخ الاجتماعي: السياسي والأخلاقي والفكري المحيط بالإنسان. وقد يراد بالبيئة مجازًا: أولئك البشر الذين يسكنون فيها أو يقيمون، أو كافة المخلوقات والموجودات التي تحل مع الإنسان، وتستوطن مواضع عيشه، مثل: الحيوانات والنباتات والأشجار.
أما البيئة في المعاجم الإنجليزية فلها مصطلحان متداخلان: "Environment": وهو يعني: مجموعة الظروف أو المؤثرات الخارجية التي لها تأثير في حياة الكائنات (بما فيها الإنسان). ومصطلح "Ecology" (الإيكولوجيا)، ويُعرِّف علم البيئة الحديث البيئة بأنها: "الوسط أو المجال المكاني الذي يعيش فيه الإنسان، بما يضم من ظاهرات طبيعية وبشرية يتأثر بها ويؤثر فيها". وقد أوجز إعلان مؤتمر البيئة البشرية الذي عقد في استوكهولم عام 1972م مفهوم البيئة بأنها: "كل شيء يحيط بالإنسان".
المصطلح:
درج استخدام لفظ البيئة في العديد من الاستخدامات:
البيئة الاجتماعية: تعبِّر عن الوسط الذي ينشأ فيه الفرد، ويحدد شخصيته وسلوكياته واتجاهاته والقيم التي يؤمن بها.
البيئة الثقافية : وهي تشمل: المعرفة والعقائد والفن والقانون والأخلاق والعرف وكل العادات التي يكتسبها الإنسان من حيث هو عضو في مجتمع. وتتأثر الثقافة بعوامل البيئة الطبيعية، وكذلك بما ينتجه العقل البشري عن طريق منجزات العلم والتكنولوجيا.
البيئة المناخية : يقصد بها ظروف الطقس والمناخ التي يتأثَّر بها الإنسان وتتأثر بها الكائنات الحية الأخرى التي تشاركه الحياة على كوكب الأرض.
البيئة الطبيعية : تختص البيئة الطبيعية بدراسة الحياة البرية والبحرية، والكائنات من الحيوانات والطيور؛ أي الطبيعة حول الإنسان من حياة والكائنات التي تعيش فيها.
البيئة البشرية : عُرِّفَت البيئة في مؤتمر الأمم المتحدة للبيئة البشرية الذي انعقد في استوكهولم عام 1972م بأنها: "رصيد الموارد المادية والاجتماعية المتاحة في وقت ما وفي مكان ما لإشباع حاجات الإنسان وتطلعاته".
البيئة الوراثية: تشمل ما يوفره الزوجان من خلايا وراثية للأبناء. الخلايا الوراثية هي: عبارة عن تجمعات المواد الكيميائية التي تحتوي على شفرة الصفات الوراثية التي تقرر هذه الصفات. فالمولود يخرج من رحم أمه وهو يحمل في ثناياه شفرة وراثية مطبوعة على كل خلية من خلايا جسمه؛ وتحدد صفات لون العيون ولون الجلد والطول، كما يمكن أن يرث أيضًا عيوبًا وراثية.
هذا ويُفرِّق الباحثون بين مفهوم البيئة ومفهوم النظام البيئي، فالنظام البيئي هو وحدة بيئية متكاملة؛ تتكون من كائنات حية ومكونات غير حية في مكان معين؛ يتفاعل بعضها ببعض وفق نظام دقيق ومتوازن في حركة دائبة لتستمر في أداء دورها في إعالة الحياة، ولذلك يطلق على النظام البيئي من هذا المنطلق: نظام إعالة الحياة.
وتعد مظاهر هذا الخلل من أهم القضايا التي تناقشها أدبيات البيئة في الوقت الراهن. على سبيل المثال: قضايا التلوث البيئي- الماء والهواء والتربة- والتلوث الصوتي- الضوضاء- وأخطار انقراض بعض الكائنات الحية، كما تُطرح بشدة قضية ثقب الأوزون إشارة إلى تأثيرها في تغير المناخ.
مدرسة أنصار البيئة:
وقد برز مفهوم البيئة "Environmentalism" ومدرسة الدفاع عنها في الفكر الوضعي خلال عقد الخمسينيات لتدور رؤيتها حول الحاجة إلى فهم الطبيعة وإفرادها بالدراسة والرعاية، والحاجة لفهم الحياة الإنسانية ومسارها من خلال الحياة الطبيعية. وتغطي أفكار هذه المدرسة مساحة واسعة من المعتقدات -العلمية والسياسية والدينية والاقتصادية- إلى جانب تقديم مجموعة من الأولويات السياسية والاقتصادية والبرامج لحماية البيئة والدفاع عنها. دافعت عنها حركات الخضر Greens وضغطت لتطبيقها في مجالي القانون الداخلي والقانون الدولي، خاصة بعد دخول معظم هذه الحركات في الغرب للمجالس النيابية بنسب تمثيل متفاوتة.
وقد قدم تيار الدفاع عن البيئة رؤيته من خلال عدة محاور نظرية:
أولاً: الدفاع عن البيئة وحمايتها من التلوث والأمطار الحمضية والإشعاعات النووية والمخلفات بأنواعها؛ خاصة المشعة والنووية (دفن النفايات في العالم الثالث مثلاً)، وأكد أن دراسة البيئة والحفاظ عليها هو مناط حفظ الحياة الإنسانية في الحاضر والمستقبل.
ثانياً: النظرة الكلية للكون، فتذهب هذه المدرسة إلى أن العالم الطبيعي لا بد من فهمه كوحدة واحدة وألا يتم التعامل مع أجزائه ومفرداته كل على حدة، بل ويلقي اللوم على المدارس العلمية والطب لتعامله مع المشكلات منفردة، إذ شهدت جراحات نقل الأعضاء والقلب والمخ والأعصاب طفرة في مقابل الإهمال الذي يلاقيه ضبط نظام الجسم ووقف الملوثات وخاصة التدخين، واتباع نظام غذائي صحي من جانب صناعة الطب.
ثالثاً: استدامة التنمية ورعايتها للبيئة: حيث حذرت هذه المدرسة من الاستهلاك المتزايد غير المحسوب للموارد الطبيعية والمادية، وحثت على التعامل الرشيد والاستهلاك المتوازن وإعادة استخدام المواد (التدوير Recycling) وأن تكون المشروعات الصناعية وبرامج التنمية مبنية على هذا الأساس.
رابعاً: الدفاع عن القيم: حيث ركزت على القيم التي يعتنقها الأفراد في تعاملهم مع البيئة من حرص على الأجيال القادمة، والمسئولية الاجتماعية، وحقوق الحيوان، والسلام دفعاً لخطر الدمار النووي الشامل